853هـ/1449م
حفلة عرس "محمد الثاني"، في "أدرنة"
لقد
تزوج فاتح "إستانبول" المستقبلي، "محمد الثاني"، "الست مكرمة خاتون"، ابنة
حاكم "دولقادر"، "سليمان بك". ويذكر أن العرس الحافل، الذي أقيم له،
استمر ثلاثة أشهر؛ حيث جرى في هذه الفترة العديد من الأفراح، اشترك فيها الأهالي والعساكر.
ويوجد اختلاف في تاريخ هذه الحفلة؛ وقد قيل إنها كان في عام 850هـ/1446م؛ وقيل في عام 854هـ/1450م.
وهذا
العرس الحافل، استمر من يوم الإثنين، 27 رجب، الموافق لـ 15 سبتمبر من هذه
السنة، لثلاثة أشهر، حيث انتهى في يوم الإثنين، 29 شوال، الموافق لـ15
ديسمبر. ورجع بعدها "محمد الثاني" من "أدرنة" إلى مركز ولايته، "مغنيسيا".
وبناءً على أقوى الروايات، فإن محمداً الثاني، الذي ولد في عام 835هـ/1432م، كان له من العمر، في تلك الفترة، سبعة عشر عاماً.
وبتلك
الصورة، فقد أسس العثمانيون قرابة سياسية مع بني "دولقادر"، وللمرة
الثانية، ضد بني "قره مان" و"آق قيونليلر". وأول من تزوج من هذه الأسرة، من
سلاطين الدولة العثمانية، هو "محمد الأول". ويذكر أنه تزوج "أمينة خاتون"،
ابنة حاكم "دولقادر"، "سُلي بك"؛ وأن "مراداً الثاني"، كان قد ولد من هذا
الزواج. وبناءً على هذا الوضع، فإن "محمداً الثاني" تزوج ابنة من أسرة
جدته.
وأم "بايزيد الثاني"، هي هذه، "مكرمة"، أو "مكرمة خاتون". وعلى
الرغم من أن هذه الرواية، تستند إلى بعض النصوص الوقفية، فإن التأليف بينها
وبين هذا التاريخ غير ممكن؛ لأنه بناءً على أقوى الروايات، فإن "بايزيد
الثاني"، ولد قبل هذا التاريخ بسنتين، أي في عام 851هـ/1447م. وعلى الرغم
من أن والدته، هي "مكرمة خاتون"، فيبدو أن التاريخ، الذي أشير إلى أنه
تاريخ زواج "محمد
الثاني" (الفاتح)، وهو عام 850هـ/1446م ـ ينبغي أن يكون صحيحاً؛ ثم أن يكون تاريخ 853هـ/1449م، الذي روي بوجه أقوى، خاطئاً.
وبموجب رواية أخرى، فإن والدة "بايزيد الثاني"، ليست هي "مكرّمة" أو "مكرمة خاتون"؛ وإنما هي "جول بهار خاتون".
-------------------------------------------------------------------------------------------
فتوحات "ألبانيا" :
في
الوقت، الذي كان يقوم فيه القائد الألباني، "جورج كاستريوت/إسكندر بك"،
بالمقاومة ضد الأتراك، كان يعمل اتحاداً مع البنادقة ضد الأتراك أيضاً. بل
إنه بذلك التصرف، كان يدخل في وضع كأنه موظف مرتزق لدى البنادقة. فعلى سبيل
المثال، كان، بموجب معاهدة، عقدها في يوم الجمعة، 5 شعبان 852هـ، الموافق
لـ 4 أكتوبر 1448م، مع البنادقة، خصص هو وورثته البنين، في السنة، بـ1400
دوقة ذهباً، وإضافة إلى أنه ترك المدينة، مقابل هذا المبلغ الزهيد،
للبنادقة، فقد تعهد للمتملكين، أنه لن يقوم بهجوم عليهم أبداً. وهذا يعني
أن حملة "مراد الثاني" على "ألبانيا"، كانت ضرورة فرضتها الظروف. ولقد تم
في هذه الحملة الاستيلاء على مدينتي "دبرة" و"سفتيجراد"؛ كما تم الحصول على
بعض الأسرى؛ إلا أنه لم يتم القبض على "إسكندر"، بسبب وجوده في الجبال.
-----------------------------------------------------------
548هـ/1450م
الحملة
الأخيرة لـ"مراد الثاني"، والحصار الثاني لـ"كروفا/آقجه حصار" وبما أن عام
853هـ/1449م، يذكر أيضاً تاريخاً لهذه الحملة، فإن فتوحات "ألبانيا"،
الواردة في الفقرة السابقة، قد تكون هذه الحملة استمراراً لها.
والمصادر، الشرقية والغربية، تخلط بينهما.
ويذكر أن عدد أفراد الجيش العثماني، في هذه الحملة، هو مائة ألف رجل، أو مائتا ألف؛ ولكن المؤكد وجود مبالغة كبيرة في هذه الأرقام.
وبما
أن الرواية الواردة، تفيد أن حصار "كرويا/آقجة حصار"، قد استمر خمسة أشهر،
ثم رفع في شهر شوال، الموافق لشهر نوفمبر، فإنه ينبغي أن يكون بدؤها في
شهر جمادى الآخرة، الموافق لشهر يوليه.
ويذكر أنه بالإضافة إلى
المحاصَرين، كان الألمان والفرنسيون والإنجليز والصرب، يدافعون عن القلعة.
وكانت ثلاثون مدفعاً استخدمت في القلعة، بإدارة فرنسية. وهذا الموقع
الصربي، المستحكم، الذي اتخذه العاصي "إسكندر بك"، أو بالأحرى "جورجس
كاستريوت"، مركزاً للمقاومة ـ كان يقوم، في تلك الفترة، بوظيفة إزعاج الجيش
التركي، من خلال حرب العصابات، من الخارج. وكان يوجد على محافظة القلعة
الكونت "أورانا".
ويذكر أن ولي العهد، "محمداً الثاني"، كان موجوداً أيضاً في حصار "آقجة حصار" مع والده "مراد الثاني".
والسبب
الذي أدى رفع الحصار عن القلعة، التي تقع على تلة مرتفعة، قبل فتحها، بعد
أن تم ضربها بالمدافع، التي تزن قذيفتها قنطارين، ولمدة خمسة أشهر متواصلة
ـ كان وصول الأنباء، التي تفيد باستعدادات القوات المجرية، للقيام بهجوم
جديد على الجيش العثماني. ولذلك، فإن حملة "مراد الثاني" الأخيرة على
"ألبانيا"، قد انتهت بفتح "برات".
وقد ذكرت بعض المصادر الغربية، أن السلطان "مراداً الثاني"، قد مات في هذا الحصار؛ إلا أن ذلك غير صحيح.
==============================================
855هـ/1451م
وفاة "مراد الثاني"
لقد توفي السلطان "مراد الثاني" في "أدرنة".
والروايات،
التي تورد نبأ وفاته، مختلفة؛ فبناءً على إحدى الروايات، فإنه في أثناء
تجوله في جزيرة "كرشيجي"، الواقعة على نهر "مريج"، وفي عودته منها راكباً
فرسه، أخذ البرد، فمرض.
وبموجب رواية أقوى منها، أنه توفي إثر إصابته بمرض النزلة. ويروى أن والده، "محمداً الأول"، مات أيضاً بهذا المرض.
وإن
كان هناك اتفاق في سنة الوفاة بشكل عام، فإن هناك اختلافاً في تاريخ اليوم
والشهر. فبموجب المصادر العثمانية، توفي في أول أربعاء من شهر المحرم،
وذلك بعد أن وقع طريح الفراش، لمدة ثلاثة أيام، حيث مات في اليوم الثالث؛
وأول يوم من المحرم، يصادف يوم الأربعاء، الثالث من شهر فبراير، والثالث
من المحرم، يوافق يوم الجمعة، الخامس من شهر فبراير. ويذكر في بعض المصادر
الغربية يوم الثلاثاء، 7 المحرم، الموافق لـ 9 فبراير؛ إلا أنه بالنظر إلى
الكتابة الموجودة على قبره، في "بورصا"؛ وهي لرواية الصحيحة، فإن الوفاة
حصلت الأربعاء، الأول من المحرم، الموافق لـ3 فبراير في وقت الضحى، أي ما
بين الساعتين 10 و11 صباحاً.
وبناءً على ميلاد السلطان "مراد"، بموجب
أقوى الروايات، في عام 806هـ/1403-1404م، فإنه لما توفي، كان له من العمر
47-48 سنة. وأمه هي "أمينة خاتون"، ابنة حاكم "دولقادر"، "سُلي بك".
وقد حكم السلطان "مراد الثاني"، في الفترة الأولى من سلطته، ثلاثاً وعشرين سنة، من عام 824هـ/1421م، وحتى عام 848هـ/1444م.
أما الفترة الثانية، فقد كانت ست سنوات، من عام 849هـ/1445م، وحتى عام
855هـ/1451م؛ وبذلك حكم الدولة العثمانية، بمجموعهما، تسعاً وعشرين سنة.
ويذكر
أن السلطان "مراداً"، قد سجل وصيته، قبل وفاته. وذكر فيها، أن خلفه في
الحكم، هو "محمد الثاني"؛ وأنه عين الوزير الأعظم، "خليل باشا جاندارلي"
وصياً عليه؛ وأنه أبرز هذه الوثيقة لوزرائه، على فراش الموت، حتى يكونوا
شهداء عليها. بل يذكر أنه وصى بأن فتح "إستانبول"، هو أهم أساس، ينبغي
العمل على تحقيقه.
ويعد هذا السلطان أول من أرسل "الصرة" إلى أهالي
الحرمين الشريفين، حيث أصبح ذلك سياسة إسلامية متبعة لديه؛ حتى يكسب
مرضاتهم. وعلى الرغم من ذلك، فهناك رواية تفيد، أن تنظيم "الصرة"، بدأ في
عهد سلفه "محمد الأول".
ومن ضمن أهم الآثار العمرانية، التي قام ببنائها السلطان "مراد الثاني":1-الجامع الموجود في "أدرنة" بثلاث شرفات
2-جسر "أركنة".
ويعد السلطان "مراد" مهماً أيضاً، من حيث تاريخ التتريك؛ إذ
إنه أمر بكتابة وترجمة العديد من المؤلفات باللغة التركية، ووضع شعراء
الأتراك وعلماءهم تحت حمايته. وبذلك، أصبح باكورة لحركة الثقافة الوطنية،
التي قال عنها المستشرقون: أولى الحركة الأدبية التركية.
وكان من أهم المؤلفات التركية، التي كتبت بأمر السلطان "مراد الثاني":
1- كتاب "تواريخ آل سلجوق"، الذي يحوي تقاليد قبيلة "أوغوز" (الغز)، لمؤلفه "علي أفندي يازيجي أغلو"،
2- كتاب "دانشمند نامه"، الذي يتناول فتح الأناضول، في القرن الحادي عشر الميلادي، لمؤلفه "ملا عارف علي"؛
3-كتاب "حسرو وشرين"، لمؤلفه "شيخي"؛
4-كتاب "قابوس نامه"، لمؤلفه "مرجمك أحمد"؛
والسلطان
"مراد الثاني" مؤيد للغة التركية الواضحة؛ إذ إن كتاب "قابوس نامه"، الذي
ترجمه "مرجمك أحمد" من اللغة الفارسية، وجد مترجمه أن السلطان لم يرض
بالترجمة، التي قام بها شخص غيره، وأنه لما حضر مجلس السلطان، في "كلي
بولي" في أحد الأيام، قال له:ـ ترجمه شخص، إلا أنه ليس ولي روشن.
ثم قال، بعد ذلك:ـ لو كان هناك أحد، وقام بترجمة واضحة.
واستجابة للسلطان قام ( مرجمك أحمد) بترجمة جديدة للكتاب باللغة التركية.
5- كتاب "المحمدية"، الذي يعد كتاباً نادراً، من حيث الأدب الديني، لمؤلفه "محمد أفندي يازيجي أغلو".
والسلطان "مراد الثاني"، هو
أول من قام بضرب المسكوكات العثمانية، التي تحوي "أن أتراك الأوغوز (الغز) هم من فخذ قايي".
والحقيقة
أن الحديث عن ارتباط النسب العثماني، أول مرة، بنسل "قايي خان"، يبدأ في
هذا العهد؛ بل إن إضافة أسماء، مثل: "أوغوز" و"قورقود"، إلى التاريخ التركي
ما قبل الميلاد ـ كانت امتداداً لحركة التتريك، التي شكلها "مراد الثاني".
وبناءً على رأي "بول ويتك"، فإن "مراداً الثاني"، أخذ هذه الآراء القومية
في شبابه، لما كان والياً على منطقة "آماسيا"؛ فمنذ عهد الدانشمنديين، كانت
هذه المنطقة محافظة على التقاليد والعادات التركية، حيث أصبحت أهم عامل في
قيام الدولة العثمانية، بعد تجميع أوصالها بالروح الوطنية، التي منحتها
للسلطان "محمد جلبي الأول"، بعد كارثة "أنقرة". ثم لقنت ابنه، "مراداً
الثاني" شعوراً وطنياً قوياً، بحيث يقوم بفتح تيار التتريك.
ويبدو
أن السلطان "مراداً الثاني"، يعد وجهاً مهماً، ومشرقاً، وله مكانته العالية
في تاريخ القومية التركية. ولذلك، فإن هذا الموضوع يحتاج إلى بحث وتمحيص.
ويعد "مراد الثاني" هو أول شاعر من بين السلاطين العثمانيين.
ولما
توفي السلطان "مراد الثاني"، أخفي نبأ موته 12-13 يوماً؛ أو بموجب رواية
أخرى، 16 يوماً، إلى حين وصول ابنه، "محمد الثاني" من "مغنيسيا" إلى
"أدرنة".
ثم نقلت جثته إلى "بورصا"؛ والسلطان "مراد الثاني" هو آخر السلاطين العثمانيين المدفونين في "بورصا".
والسلطان "مراد الثاني"، هو ثاني سلطان عثماني، يخفى نبأ موته، بعد السلطان "محمد الأول".