[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بعض الحركات الإسلامية المتحمسة لدينها، والمتعطشة لتطبيق الشريعة الإسلامية، والتي تضعها هدفاً لها، ترى أن تطبيق الشريعة يعني تطبيق الحدود كقطع يد السارق ورجم الزاني المتزوج. وما إلى ذلك؛ باختصار يهتمون بتطبيق الجانب القانوني من الشريعة خاصة في مجال العقوبات..
لذا نجد بعض هذه الحركات أول ما تصل للحكم، أو تسيطر على بعض أجزاء من البلاد تقوم بتطبيق الحدود فوراً بدون تأهيل نفسي وتربوي للناس، أو حتى مراعاة التدرج؛ خاصة لو كانت النظم القائمة في هذه المجتمعات لم تكن تعتني بتطبيق الشريعة أو الالتزام بتعاليم الإسلام.. بالرغم من أن هذا التدرج سنة الحياة، وكيف أن الإسلام راعى التدرج في تحريم الخمر على ثلاث مراحل لأن المجتمع في حينها كان غارقاً في هذا الداء العضال..
حدث هذا في أفغانستان عندما وصلت طالبان للحكم عام 1996، وقامت بفرض الحجاب "الشاور" على النساء، وإغلاق محلات الفيديو والسينما، والسعي لهدم التماثيل والآثار الموجودة في البلاد؛ على اعتبار أنها أصنام ينبغي إزالتها كـ"هبل" و"سواع" وغيرهما في عهد كفار قريش.. كما حدث هذا أيضاً في الصومال عندما قامت حركة شباب المجاهدين المعارضة بخلع الأسنان الذهبية للرجال في الشارع على اعتبار أن الذهب حرام..
فلا أحد يختلف على أهمية هذا الجزء القانوني في تطبيق الشريعة؛ فهو جزء أصيل.. ولا يجوز إغفاله أو الإعراض عنه؛ لكن كما يقول العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه "فقه الأولويات" المبالغة في المطالبة به -أي في تطبيق الحدود- والحديث عنه واعتباره رأس الأمر وعموده في الإسلام، كان له آثار سيئة على التفكير الإسلامي، والعمل الإسلامي، وأيضاً على أفكار الناس العاديين؛ واستغل ذلك خصوم الإسلام..
إن القوانين وحدها لا تصنع المجتمعات، ولا تبني الأمم؛ إنما الذي يصنع المجتمعات والأمم: التربية والثقافة.
التربية ليس حصة دين فقط.. التربية -والكلام للقرضاوي- ليست درس الدين أو تربية إسلامية فحسب؛ بل هي مطلوبة في كل الدروس والمواد العلمية والأدبية دون افتعال (لاحظ كلمة بدون افتعال حتى لا يحدث ملل، أو تحميل الدين ما لا يتحمله)؛ فيتم تلمس التربية في العلوم والمواد الاجتماعية واللغة والأدب، وفي الأنشطة المدرسية وفي الجو العام؛ "حتى يساعد ذلك على تنشئة جيل مسلم مؤمن بالله معتز بدينه، متسامح مع غيره".
الإعلام في خدمة الشريعة
لا شك أن الإعلام يلعب دوراً هاماً في توجيه الناس ناحية الخير أو الشر، وهذا ملاحظ في تأثر الشباب بالفنان الفلاني أو العلاني؛ حتى في الوشم الموضوع على كتفه، وتأثر الفتيات باللبس المثير للفنانات.. لكن الموضوع أكبر من ذلك؛ فيمكن أن يكون المذيع أو مقدم البرنامج لا يؤمن باعتبار الإسلام هو المرجع الأعلى لحياة المسلم والمجتمع المسلم في التعامل والسلوك.. وفي هذا الصدد يرى القرضاوي أهمية وجود إعلاميين إسلاميين على كل المستويات (ليس معنى إسلامي هنا أن يكون مسلماً فقط؛ لكن يؤمن بأهمية مرجعية الإسلام)، يكونون -أي هؤلاء الإعلاميين- قادرين على أن يمثّلوا الإسلام ويمثلوا العصر بإمكاناته الهائلة.
رسالة للفنانات المحجبات" الفن في خدمة الشريعة"
يمكن للفن أن يلعب دوراً كبيراً أيضاً في تعليم الناس القيم الإسلامية الهادفة؛ فالذي يشاهد المسلسلات والأفلام أكبر بكثير من الذين يحضرون الدروس والمحاضرات إن وجدت الآن؛ بل إن أسلوب التناول مهم أيضاً..
فأسلوب الوعظ المباشر يمكن أن يصيب المستمع أو المشاهد بملل؛ لكن يمكن للشخص أن يحصل على المزيد من القيم من بعض المسلسلات والأفلام كيوميات ونيس للفنان محمد صبحي، وغيره من المسلسلات الهادفة.. لكن المشكلة تكمن في كتابة السيناريو والحوار بما يتناسب مع الواقع الذي نعيش فيه، وكذلك في الإخراج؛ فليس الفن الإسلامي مثلاً ذلك الجزء التاريخي الذي يتحدث عن فترات مضيئة في حياة المسلمين فقط؛ وإنما هناك قيم يمكن تناولها بأسلوب عصري درامي قيم حب الوطن، حب الجار، التعاون وغيرها..
أكيد أن الأمر ليس سهلاً كما يقول الدكتور القرضاوي؛ فهو يواجه عقبات شرعية (مثل قضية ظهور الفنانات غير محجبات والكلام عن الحب وخلافه)، وغير شرعية (فنية).. وهذا يتطلب التدرج، كما يتطلب محاولة كسب الفنانين وأيضاً الإعلاميين الحاليين؛ فلاشك أن فيهم المصلين والصائمين؛ لكن بحكم تربيتهم وثقافتهم يحسبون أن ما يصنعونه لا يخالف الإسلام.. وربما عرف بعضهم ذلك؛ لكن الحياة التي تعود عليها غلبت عليه "والواجب بذل الجهد مع هؤلاء حتى يتفقهوا في الدين ويتوبوا إلى ربهم وينضموا لقافلة الداعين إلى الإسلام".
ولقد عرفت السنوات الأخيرة توبة عدد من الفنانين وعدد أكبر من الفنانات؛ لكن أكثرهم اعتزلوا الفن وأهله نجاة بأنفسهم، وفراراً بدينهم، وأولى من ذلك أن يثبتوا في هذا المعترك الصعب، وهذا الميدان الشاق، وأن يقولوا ما قاله عمر بن الخطاب بعد إسلامه "والله لا يبقى مكان كنت أعلنت فيه الجاهلية؛ إلا أعلنت فيه الإسلام"، وهذا لا يكون إلا بالتعاون بين الجميع والتغلب على المعوقات وما أكثرها.
ما أجمل ما قاله الشيخ الذي يؤكد أن هذا الدين يشمل الجميع، وأن الكل يمكن أن يساهم في بناء هذا الصرح العظيم، لا أن تقوم فئة بعينها تعلن أنها هي التي تطبق الشريعة والكل مطالب بأتباعها، صحيح قد يحتاج الأمر إلى قيادة؛ لكن القيادة الحكيمة هي التي تستوعب الجميع، كما أنها تراعي التدرج الذي هو سنة الحياة"؛ فيا ليت بعض الجماعات الإسلامية تعي هذا الكلام.