حوار مع سيئة
قرأت مقالة للشيخ جاسم المطوع ولما فيها من الفائدة العظيمة أحببت أن جميع الناس تتطلع عليها عسى الله أن يهدينا
جميعا لما يحب ويرضى
ليلة الجمعة و بالتحديد الساعة 11مساءً انتهيت من كل أعمالي .
ماذا أفعل ؟ أين أذهب ؟ لدي فراغ كثير . خلوت بنفسي ، وتركت أهلي وأصحابي ، وأنا أفكر ماذا أفعل ؟ خطرت لي
خاطرة ، عزمت على فعلها وكانت الخاطرة سيئة ، أغلقت الأبواب واطفأت الأنوار وخيم الظلام في غرفتي وقلت
للمعصية (هيت لك) فسمعت صوتا ينشد يقول : أسفا لعبد كلما كثرت ذنوبه قل استغفاره ، وكلما قرب من القبور قوي عنده الفتور
يا مدمن الذنب أما تستحي ، والله في الخلوة ثانيكا ، غرك من ربك امهاله وستره طول مساويكا ، فانبهت وخفت وتلفت
حولي وأخذت أردد يا ويلي من صاحب الصوت ؟ ماذا أفعل ؟ هل اطلع علي أحد ؟ ثم رأيت شيئاً لا أستطيع وصفه ،
فقمت خائفا وفتحت الأنوار فرأيت شيئأ أسود لا أستطيع وصفه .
قلت : من أنت ؟ قالت : أنا سيئتك . قلت : وما سبب مجيئك إلي في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟ السيئة : جئت
لأنصحك وإن كان النصح لا يقبل مني ولكن ( الحق ما شهدت به الأعداء ) قلت : هيا تكلمي ماذا عساك أن تقولي
السيئة : هل تظن أنك وحيد هنا ؟ قلت : وماذا وراء هذا السؤال ؟ السيئة : إني رأيتك مطمئناأثناء فعل المعصية ،
وكأنك أمنت من حساب الله تعالى ، قلت غاضبا : هذا ليس من شأنك ولا أحب أحداً أن يتدخل في أمور حياتي ،
السيئة : لقد قلت لك إني ناصحة ويبدو أنك لا تريد النصيحة
ثم تحركت السيئة خارجة من الغرفة وهي تقول : توارى بجدران البيوت عن الورى ، وأنت بعين الله لوكنت تشعر
وتخشى عيون الناس أن ينظروا بها ولم تخشى عين الله والله ينظر فتدبرت ما قالت وتأثرت به نفسي وقلت لها :
كرري علي ما ذكرت فأعادت الكلام علي حتى ندمت على ما كنت ناويا فعله
فناديتها قائلا : تعالي يا سيئة وهاتي ما عندك . السيئة : وشرطي أن تسمع ما عندي ولا تكن متكبرا علي وعلى
نصحي . قلت : تفضلي . السيئة : إني أراك كثيرا ما تخلو بمعاصي الله وهذه صفة سيئة تفسد عليك علاقتك بالله
تبارك وتعالى وتبطل أعمالك كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم (لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات
أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله عزوجل هباءً منثورا) قال الصحابي ثوبان : يا رسول الله صفهم لنا ، جلهم لنا ،
ألا نكون منهم ونحن لا نعلم ؟ قال : أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا
خلو بمحارم الله انتهكوها . قلت : إنه لحديث خطير . السيئة : نعم ولهاذا أشفقت عليك وأردت نصحك قبل أن تكون
أعمالك هباء منثورا ، فالحق بنفسك يا عبدالله .
ثم قالت : وكما أن فعل السيئة في الخلوة يفسد علاقتك بالله فكذلك تفسد علاقاتك بالناس . قلت ولكن الناس لا يعلمون
أني أفعل المعصية ؟ فكيف تفسد العلاقة بهم ؟ السيئة : هذا ما حكاه الصحابي أبو الدرداء حين قال (إن العبد يخلو
بمعاصي الله ، فيلقي الله بغضبه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر) فانتبه لنفسك يا عبدالله ، واحكم زمام هواك ،فلا
تفلته إلا لرضاء مولاك . قلت : ولكني إن عصيت الله فإن أكثر أعمالي السيئة صغيرة ولا أعتقد أنها تؤثر في
صحيفتي يوم القيامة . السيئة : لا تكن كتلك المرأة الجاهلة التي تركت الغزل بحجة أنه ماذا يفيدها نسيج خيط على
خيط كل ساعة . وما علمت هذه الجاهلة أن ثياب الدنيا قد اجتمعت خيطا خيطا . وأنا يسئة ، لكني أعلم منك بمدى
تأثيري بصحائف الخلق يوم القيامة ، وكما قيل : (النملة أعلم بما في بيتها من الجمل بما في بيت النملة)قلت متسائلا :
أين أنا من هذه المفاهيم ؟ لقد كنت في غفلة عمياء و إني غررت بالدنيا والله .السيئة : تحرك يا عبدالله وما زال في
الوقت متسع لتعوض تقصيرك بحق ربك . فأنا السيئة ، أنا سبب هلاكك يوم القيامة ، أنا سبب بغض العباد لك في
الدنيا ، أنا سبب محق البركة من عملك ، أنا سبب ضعف حفظك وعلمك . قلت مقاطعا : وكل ذلك من آثارك .
السيئة : بل وأكثر من ذلك ، فإنه يكفي أن من آثاري أن تولد السيئة السيئة ، كما أخبرنا بعض السلف عندما قالوا :
(إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ، وإن من عقاب السيئة السيئة بعدها) قلت : وما العمل الآن ، وقد نويت فعل
السيئة وأحكمت غلق الأبوب والنوافذ . السيئة : اعلم أن العبد إذا نوى السيئة فلم يفعلها فإنه تكتب له حسنة ان تركها
من أجل الله كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (من هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة) فتب إلى الله
يا عبدالله ، واستغفر لذنبك ، فإن الله غفور رحيم وأحكم غلق الأبواب والنوافذ و أطفئ الأنوار في غرفتك ولكن لطاعة
الله تعالى فإن سيئة السر تمحوها حسنة السر (وهذه بتلك).