اذا جاز لنا القول فإن الاحتلال ربما وصل إلى المرحلة أو الفصل الأخير في
إطار معركة أسرلة القدس تهويدها، فالهجمة بدأت تتصاعد وتتكثف وتأخذ
أبعاداً شمولية، وهي تطال كل ما يتعلق بحياة المقدسيين ووجودهم في
المدينة، فلا الثقافة ولا التراث ولا المقدسات ولا الهوية ولا البشر
والحجر ولا الشجر خارج إطار الاستهداف، ففي إطار سعي الاحتلال المحموم
لنزع الطابع العروبي عن المدينة المقدس، طرد وتهجير سكانها العرب عنها
بالطرق المشروعة وغير المشروعة، تتحدث الأنباء عن خطة إسرائيلية جاهزة
للتنفيذ، جرت عملية جس نبض لردة الفعل الفلسطينية عليها من خلال عملية
استدعاء قامت بها البلدية لعدد من التجار المقدسيين، تحت حجج وذرائع
القيام بعملية صيانة وترميمات في البلدة القديمة، وتقوم الخطة على إغلاق
البلدة القديمة لمدة عامين، على أن يترافق ذلك مع هدم عدد من المحلات
التجارية في باب العامود، وقد أخطرت بلدية القدس أصحاب أربعة محلات تجارية
بنيتها هدم محلاتهم في مدخل بوابة باب العامود، وتقوم تلك الخطة على أساس
تعويض التجار عن عملية الإغلاق بواقع خمسة الاف شيكل شهرياً لكل تاجر عن
محله المغلق، وهذا يعني بالملموس إجبار التجار على هجر محلاتهم التجارية
والانتقال بمركز حياتهم إلى خارج مدينة القدس وبما يترتب على ذلك من خطة
للاستيلاء على محلاتهم وبيوتهم لاحقاً.
فبهذه الطريقة تتخلص إسرائيل من عشرات آلاف المقدسيين،
فالاحتلال يدرك جيداً، أنه رغم المليارات التي صرفت على أسرلة وتهويد
القدس فقد فشلت في الاستيلاء على المدينة من الداخل، ولا بد من هجمة شاملة
تطال ما يعرف بالحوض المقدس وفي القلب منه سلوان والشيخ جراح والطور، وخطة
الحفريات في البلدة القديمة لمدة عامين، عدا الهدف منها وهو تغير الطابع
الديمغرافي للمدينة، وجعل مدخلها الرئيسي من جهة باب النبي داود، أي ربطها
حياتياً واقتصادياً مع القدس الغربية، ناهيك عن أن الإغلاق سيستخدم من أجل
ربط شبكة الأنفاق داخل البلدة القديمة مع بعضها البعض وكذلك مع شبكة
الأنفاق الخارجية، أي إقامة مدينة تحت المدينة القائمة، وجعل الأمور في
منتهى الجاهزية، لتنفيذ مخطط بناء الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى،
وخصوصاً أن ما جرى من تحته ومن حولة من حفريات وأنفاق وجسور وغيرها، يجعله
عرضة للهدم بمجرد حدوث هزة أرضية خفيفة ...
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]خريطة توضح منطقة الحوض المقدس والاحياء المقدسية
أما حول أسوار البلدة القديمة أو ما يعرف بالحوض المقدس، فهناك خطة
شاملة لإقامة حزام استيطاني متواصل داخلي، يجعل من القرى العربية جزر
معزولة، بحيث يضيق عليها الخناق في كل مناحي الحياة وبما يجبر أهلها على
هجرها...
فسلوان يجري الحديث عن هدم حي البستان بكامله، والمكون من أكثر
من 88 بيتاً ويسكنه أكثر من 1500 فلسطيني، وإقامة ما يسمى بالحديقة
الصهيونية مكانه، وكذلك يجري الحديث عن تفعيل أوامر الهدم الإداري لبنايتي
العباسي في سلوان، والتي تضم عشرات الشقق السكنية، ناهيك عن عشرات المنازل
التي استولى عليها المستوطنون في سلوان، والأحياء الاستيطانية التي أقيمت
في قلبها مثل مستوطنة معاليه زتيم والتي يجري توسيعها بإضافة حي استيطاني
جديد مكون من 104 وحدات سكنية، مكان مقر شرطة رأس العامود،عدة مباني
حكومية من زمن الحكومة الأردنية، تم تسليمها للمستوطنين، أضف الى ذلك حي
استيطاني جديد يخطط لأقامته في منطقة وادي ياصول التابع لقرية سلوان.
أما في منطقة الشيخ جراح فهناك هجمة شاملة، من أجل طرد وترحيل
سكان حي بكامله من أجل إقامة حي إستيطاني هناك بمساحة تصل إلى ثلاثة
هكتارات، حيث تدعي الجمعيات الاستيطانية ملكيتها للأرض هناك، والتي يقيم
عليها السكان العرب قبل عام 1948، مستندة بذلك لوثيقة عثمانية مزورة من
القرن التاسع عشر، وقد نجح المستوطنين حتى اللحظة في السيطرة على خمسة
بيوت من بيوت الحي البالغة 28 بيتاً، والتي يعيش فيها أكثر من 500
فلسطيني، منها منازل أم كامل الكرد وماهر حنون والغاوي ورفقة الكرد، ولا
زال الحبل على الجرار، وفي نفس السياق حاول المستوطنون قبل أسبوع توسيع
البؤرة الاستيطانية على جبل الطور، ولكن تصدي السكان لهم حال دون ذلك،
والاحتلال الذي رصد أكثر من سبعين مليون شيكل سنوياً كميزانية من أجل هدم
المنازل في القدس العربية، بعد قيام حكومة اليمين والتطرف والقائم
برنامجها ووجودها على تكثيف وتصعيد الاستيطان، بدأت بتنفيذ سياسة الهدم
الجماعي للأحياء والمباني العربية في القدس، فخطر الهدم حالياً يتهدد
ثلاثة بنايات مترابطة مكونة من 32 شقة في حي الأشقرية في بيت حنينا يقطنها
أكثر من مئتي شخص معظمهم من الأطفال، وغيرها في سلوان وشعفاط ورأس خميس.
والمسالة هنا ليست قصراً على هدم المنازل والاستيلاء على البيوت
وإقامة المستوطنات والحفريات والأنفاق، بل المسألة تأخذ أشكال التطهير
العرقي ومحو كل مظاهر الوجود العربي في المدينة، فالاحتلال يعمل على تهويد
أسماء الشوارع العربية وعبرنتها، كما أن المرحلة القادمة ستشهد فرض
موضوعات يهودية على المناهج الدراسي الفلسطيني، كما حصل في مناطق 48،
ومسألة تكميم الأفواه ومنع حرية الرأي والتعبير، وخنق ومنع الأنشطة ليس
فقط السياسية والوطنية منها، بل الأنشطة ذات الطابع والبعدين الاجتماعي
والأغاثي، ففي أكثر من مرة منعت المخيمات الصيفية للأطفال والمعسكرات
الترويحية، كما منعت الإفطارات الجماعية في شهر رمضان والحفلات المدرسية
وغيرها، وأكثر من ذلك مؤخراً حيث أن الأسرى الذين تحرروا من الأسر بعد مضي
عشرين عاماً على وجودهم في سجون الاحتلال مثل ناصر عيسى ونبيل زياده وعلي
الشلالده، منعوا من إقامة خيم ومهرجانات احتفال واستقبال لهم بهذه
المناسبة.
الاحتلال يصعد ويكثف من هجماته على مدينة القدس، ويضع أهلها
أمام معارك دائمة ومتواصلة في كل الاتجاهات وعلى كل الصعد، ويحاول السكان
المقدسيين بكل إمكانياتهم المواجهة والصمود، فالمعركة والهجمة أكبر من
قدراتهم وطاقاتهم، ولكنهم عازمون على التشبث بوجودهم والصمود على أرضهم،
ولكن ما يدمي قلوبهم ويزيد من إحباطهم وفقدانهم للثقة بالسلطة الفلسطينية
وتشكيلاتها وعناوينها ومرجعياتها، هو انشغال تلك العناوين والمرجعيات، في
مناكفات ومعارك داخلية على الصلاحيات والنفوذ، ودون أية مساعدات وخدمات
حقيقية تقدم للسكان من أجل تعزيز صمودهم ووجودهم، فالحديث يجري عن عشرة
ملايين دولار صرفت العام الماضي في القدس من قبل السلطة الفلسطينية، 50%
منها رواتب ومصاريف إدارية، ناهيك عن ما صرف لأحتفالات القدس عاصمة
الثقافة العربية، وبالمقابل بلدية القدس تخصص 70 مليون شيكل فقط لهدم
منازل المقدسيين المشيدة بدون ترخيص.
إن بقيت ردود الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية على ما تقوم
به إسرائيل في القدس من إجراءات وممارسات وأفعال، تغير جذرياً من جغرافية
وديمفرافية وهوية وتراث وتاريخ وحضارة المدينة، في إطار بيانات الشجب
والاستنكار والإدانة والخطب والشعارات و"الهوبرات" الإعلامية، فإن المدينة
على أبواب الفصول الأخيرة من الأسرلة والتهويد.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] باب العمود في القدس ..
علامة بارزة على عروبة المدينة تقهر الاحتلال..!
رغم عشرات المشاريع والخطوات التي اتخذتها ونفذتها سلطات الاحتلال
الإسرائيلي في مدينة القدس المحتلة لتغيير معالمها العربية الإسلامية،
ورغم الأموال الضخمة والهائلة التي تم صرفها لتحقيق هذه الأهداف، إلا أن
أسوار القدس التاريخية، بأبوابها الممتدة والمحيطة بالقدس القديمة تبقى
علامة بارزة تؤكد هوية المدينة وتقهر الاحتلال.
وتتجلى هوية المدينة الفلسطينية العربية الإسلامية بالمعلم الأبرز
الذي يتمثل بالمسجد الأقصى الممتد على مساحة 144 دونما داخل البلدة
القديمة، والذي تؤمه الجموع الفلسطينية التي أمكن لها الدخول إلى القدس من
كل حدبٍ وصوب، وله أهمية كبيرة جدا في الديانة الإسلامية وهو آية في
القرآن الكريم وأولى القبلتين للمسلمين وأحد أهم ثلاثة مساجد في العالم.
ومن المعالم الرئيسية البارزة في القدس القديمة ما تضمه وتحتويه من
مقدسات إسلامية ومسيحية، ومن أبرزها وجود كنيسة القيامة ومكانتها وما
تمثله للفلسطينيين والعالم بأسره باعتبارها أقدم الكنائس وأهمها.
من هنا أدرك قادة الاحتلال وقادة بلديتهم المتطرفة أهمية العمل على
تغيير معالم المدينة في محاولة تهويدها بالكامل، وسعت إلى ذلك من خلال
توظيف ودعم عشرات، إن لم يكن مئات المشاريع، واتبعت أساليب غير أخلاقية في
وضع اليد والاستيلاء على العديد من العقارات والمباني في المناطق والشوارع
القريبة من بوابات البلدة القديمة، خاصة بعد استهداف باب المغاربة ومنع
الفلسطينيين من استخدامه للدخول أو الخروج من والى المسجد الأقصى،
ومحاولات تهويد باب الخليل من خلال محاولات شراء شارع عمر بن الخطاب الذي
يضم عقارات وفنادق ومتاجر فلسطينية في المنطقة.
وها هي مخططات التهويد الصهيونية تطال أهم أبواب البلدة القديمة
لمدينة القدس المحتلة؛ باب العامود أو ما يعرف ببوابة دمشق، أحد أشهر
بوابات البلدة القديمة، والذي يعتبر شريان الحياة للمدينة ؛ فقد أصدرت
سلطات الاحتلال قرارها بإغلاق هذا الباب لمدة عامين بذريعة ترميم وتطوير
البنية التحتية للمنطقة!! والآن تسعى السلطات المحتلة إلى التضييق على
التجار في منطقة باب العمود ، تمهيداً لتهويد هذه البوابة التي لم تستطع
كل التغييرات التي أجرتها سلطات الاحتلال في المدينة من تغيير معالم هذه
المنطقة التي عادة ما تعج بالمواطنين الفلسطينيين والسياح الأجانب الذين
يؤمون الأماكن المقدسة داخل البلدة القديمة.
يقول المهندس مصطفى أبو زهرة عضو الغرفة التجارية الفلسطينية في
القدس بأن مخططات الاحتلال مكشوفة ومفضوحة، وما اتخذته من قرارات بإغلاق
منطقة باب العمود وشارع الواد، فضلاً عن محاولات هدم محال تجارية في باب
العمود ما هي إلا محاولات لتهويد المنطقة بالكامل ومنع تدفق الفلسطينيين
من هذه البوابة من والى البلدة القديمة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وكانت بلدية الاحتلال أشعرت تجار القدس القديمة نيتها إغلاق المنطقة
الممتدة من باب العمود وحتى شارع الواد وصولا إلى حائط البراق بالقرب من
سوق السلسلة، وزعمت أنها ستجري أعمالاً في البنى التحتية للمنطقة، فيما
يؤكد المواطنون بأن الهدف من الأعمال هو شق المزيد من الأنفاق واختتام
الحفريات التي كانت بدأتها منذ سنوات تحت البلدة القديمة بربطها يبعضها
البعض وفتح الأنفاق لتكون بمثابة شوارع وطرقات من منطقة مغارة سليمان
القريبة من بوابة العمود وحتى حائط وباحة البراق.
- ولفت المهندس أبو زهرة أن باب العمود يعتبر شريان الحياة للقدس
سواء داخل أسوارها أو خارجها، مؤكداً أن الاحتلال يحاول وضع العراقيل
والتضييق على المواطنين والقضاء على النشاط التجاري في القدس القديمة على
وجه الخصوص ليتفرغ لتنفيذ مخططاته التهويدية فيها.
- أما مالك بعض المحال في المنطقة، وهو محمد أبو الضبعات فيؤكد حصوله
على أوامر من بلدية الاحتلال تخطره فيها بأن عليه إخلاء محاله التجارية
وحدّدت له اليوم الأحد موعدا أخيراً لذلك تمهيدا لهدمها.
ويقول مراقبون بأن عملية الهدم في حال بدأت فإنها لن تتوقف في المنطقة إلا بتجسيد مشاريع تهويدية تحت مسمّياتٍ مختلفة.
وباب العامود كان ولا يزال شريان حياة لمدينة القدس القديمة؛ فهو
مدخل اقتصادي حيوي يرفد المحال التجارية التي يعيش برزقها المقدسيون داخل
سور البلدة، وإغلاق الباب يعني إغلاقها. ناهيك عن الأهمية السياحية لذلك
الباب، حيث تعتبر السياحة الدينية من أهم القطاعات التي تنعش الاقتصاد في
القدس.
ومن أهم الأخطار المترتبة على إغلاق باب العامود التحكم بدخول
المواطنين الفلسطينيين إلى المدينة، وإعاقة المصلين عن الدخول إلى المسجد
الأقصى المبارك للصلاة فيه أو إعماره، وفرض مزيدٍ من القيود عليه، مما
يعني تحويل المدينة إلى منطقة مهجورة من السكان الفلسطينيين الأصليين،
وجعلها مرتعاً للمحتلين الغاصبين. وهذا كله يعني جر المنطقة بأكملها إلى
"عواقب وخيمة"، كما وصفها الشيخ محمد حسين، المفتي العام للقدس.
قرار الإغلاق المجحف كغيره من قرارات دولة الاستعمار، يبدأ برصد
ردود أفعال الشارع العربي والإسلامي، وينتهي بحسب قوة ردود الأفعال تلك أو
ضعفها، إما بالتراجع الجبان أو بالإقدام بدم بارد! فأين نحن من ردة فعل
قوية حضارية تردعهم وتحجمهم، يسبق الفعل فيها القول، وتنبههم أن المساس
بأصغر حجر من القدس يعني نهايتهم.. كما سيحصل قريباً بإذن الله.