[sizeقالت لي نفسي: نارك و جنتك بين جنبيك.. نارك و جنتك فيما تختار و ما تعجل إليه من أقوال و أفعال و ما تبادر إليه من أقوال و أفعال و ما تبادر إليه من عمل و ما تمتد إليه يدك من حلال و حرام..
يدك هي التي تحفر بها قبرك و تصنع بها مصيرك و لسانك هو الذي يهوي بك إلى الهاوية أو يصعد بك إلى أعلى عليين.. أنت ما تقول و أنت ما تفعل.. انظر ماذا ت...فعل تعلم مسكنك و تشهد قيامتك قبل قيامتك و تعلم ساعتك قبل ساعتك
قال لي شيطاني مستنكرا: و أين أنت الآن من قيامتك و أين أنت من ساعتك.. هذا الوسواس الشؤم الذي تصحو و تبيت فيه.. انظر حولك يا فتى.. أنت مازلت في الدنيا.. اقطف زهرتها و انعم بلذاتها و أمامك فرص التوبة ممتدة بطول عمرك.. و أنت ما عشت فأنت في رعاية التواب الغفار قابل التوب و غافر الذنب.. لا تعقد أمورك و اضحك للأيام تضحك لك.. قلت و أنا أتحسب كل كلمة.. تضحك لي أو تضحك علي يا لعين.. و من أدراني أن ما أقول الآن هو آخر أقوالي و ما أفعل الآن هو ختام أفعالي و أني ميت اليوم و من مات فقد قامت قيامته و بدأت ساعته
قال شيطاني.. أعوذ بالله من غضب الله.. ما هذا الكابوس الذي تعيش فيه، حياة كالموت و موت كالحياة، لم يبق إلا أن تصنع لنفسك تابوتا و تنسج لك كفنا تتمدد فيه.. أين أنت من هذا اليوم يا رجل
قلت: و من يدريني أن بعد اليوم بعد. قال شيطاني. هل أقمت من نفسك قابضا للأرواح و فالقا للإصباح أم أنك المتنبي الذي لا تخيب له نبوءة.. الزم غرزك يا رجل ما أنت إلا عبد من عباد الله.. عش يومك كأنك تعيش أبدا.. قلت: ما قالوها هكذا يا لئيم.. بل قالوا.. اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا و اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.. أرأيت كيف تقلب كل الحقائق.. قال شيطاني: إنما أردت لك الحياة و أردت أنت لنفسك الموت.. و مرادي كان دائما مصلحتك. قلت: بل موت النفوس كان مرادك و هلاكها في الجحيم كان شغلك الشاغل و همك المقيم يا سمسار الجحيم
هل كنت أكلم أحدا ؟؟.. أم كان يكلمني أحد. هل كان حوارا بحق.. أم كان خيالا.. أتخيله
إن حديث النفس حقيقة لا شك فيها.. و هو نوع من الإعجاز الرباني.. فهو حديث داخلي لا يسمعه غيرك و لا يطلع عليه سواك.. و لا يستطيع أي جهاز إلكتروني بشري أن يسجله عليك.. و النفس فيه طرف.. و الطرف الآخر يمكن أن يكون النفس ذاتها.. و يمكن أن يكون الشيطان.. و إبراهيم الكليم أبو الأنبياء كلمه ربه.. و هكذا ترتفع المكالمة لكل نفس على حسب قدرها و مستواها
يقول ربنا مكلما موسى في سورة الأعراف آية 144: (( قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144) )) [ الأعراف ] و حينما تكون وساوس النفس من المستوى الشيطاني.. يمكن أن يكون الشيطان طرفا في الحديث.. و حينما ترتفع النفس إلى المستوى الملائكي.. يمكن أن يكون القرين المتحدث ملائكيا.. و كلما ارتفع مستوى الحديث ارتفع مستوى المتحادثين
و للغيب علومه كما أن للفيزياء علومها و للذرة علومها و للنفس علومها. و الشيطان حقيقة و ليس شخصية روائية خيالية من بنات خيال المؤلفين
و في آخر الزمان حينما تقوم القيامة سوف يعترف الشيطان بما فعل بضحاياه أمام الملأ و أمام الحشر المجتمع من كل الخلائق
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
(22)[ إبراهيم ]
و هكذا ينزل ستار الختام على الدراما الكبرى للوجود التي استغرقت أجيالا و قرونا من آدم أول الخلق إلى الخاتم محمد بن عبد الله آخر الرسل عليه الصلاة و السلام.. في كلمات هائلة تتصدع لها القلوب و مشهد جامع يشيب له الولدان
و سوف نرى الشيطان ساعتها و هو يتكلم في قلب الجحيم و سوف نسمع آخر كلماته
(( إن الظالمين لهم عذاب أليم ))
إن الشيطان حقيقة و ليس أسطورة.. و النار حق.. و العذاب حق..
د .مصطفــــى محمــــود
ســــــواح فى دنيـــــا الله
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] =24][/size]