كتبت الصحفية سمدار بيري المتخصصة في الشئون العربية افتتاحية في عدد الثلاثاء من جريدة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية تتساءل فيه عن السبب وراء الكشف عن
قضية الجاسوس المصري الذي يعمل لصالح إسرائيل في هذا الوقت تحديدا وبعد الانتصار المثير للجدل الذي حققه الحزب الوطني في الانتخابات الأخيرة، مشيرة إلى أن الكشف عن الجاسوس لم يؤثر على طبيعة العلاقات بين مصر وإٍسرائيل والدليل هو اللقاء المتوقع بين مبارك ونتياهو الأسبوع المقبل واللقاء الذي يسبقه بين الوزير عمر سليمان مدير المخابرات المصري وعوزي أراد مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإسرائيلي.. وإلى نص المقال..
كنت مستعدة لاقدم الكثير مقابل ان اكون ذبابة على مائدة وزير المخابرات المصري عمر سليمان في اللقاء غدا مع عوزي أراد- مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإسرائيلي-، يجب على هذين السيدين اللذين اتجرا بغير قليل من الخيول أن يقررا من يغمز أولا، ومن يسأل من في مكتب رئيس المخابرات 'ماذا يجب أن يكون هذا؟' في سلسلة قضايا الموساد التي تهبط علينا كالبَرَد في منتصف الخماسين.
بدأنا بـ 'قضية القرش' التي افترست سائحة المانية في شرم الشيخ، وبادر الحاكم المصري الى اتهام الموساد. ثم الى قصة غريبة عن اختطاف في ضوء النهار قام به 'عملاء الموساد' في سيناء، فأخفوا (لماذا؟) جماعة سياح، وأعادوهم بعد يومين، ولم نسمع من المختطفين' حتى شيئا ضئيلا من الشكوى من الاختطاف الذي لم يكن ولم يُخلق.
القصة الجديدة الأكثر عصرية تعطي الاحساس بأنه 'يوجد هنا شيء ما'. انها حكاية مدرب كونغ فو غرق في الديون وتورط في مصر، وسافر للبحث عن حظه في الصين وأرسل رسالة بالبريد الالكتروني للموساد وقعت عليه كمن وجد غنيمة كبيرة.
جرى فتانا ألف يوم وليلة في أنحاء الكرة الارضية، وتلقى أموالا وحوّلها، وعُرضت عليه الأسرار الأكثر خفاء ودُست أصابعه عميقا داخل سوريا ولبنان ومصر بل في جنوب افريقيا. لم ينقض الموساد وحده على فتانا، فوسائل الإعلام في مصر تُجري منافسة هوجاء في من يكشف أكثر. أعطِ قصة طازجة كيف احتلنا على الموساد واحصل على نسبة قراءة غالبة.
من الصعب جدا (في حياتي التي جربت) أن أجد اليدين والرجلين في القضية. وأصعب من ذلك تفسير ما الذي يختفي وراء طوفان الأنباء المنشورة، الذي يزيد في عكر الجو المضاد لنا. قد يكون الحديث، كما يصرون في القدس، عن محاولة المؤسسة في القاهرة صرف الانتقاد الشديد بعد النصر المفرط الذي سجله الحزب الحاكم لنفسه في انتخابات مجلس الشعب الذي سينتخب الرئيس في السنة القادمة. وقد نكون دخلنا ايضا على عمد أو على غير عمد منطقة حساسة. فعلى سبيل المثال، وكما اقترح أمس محلل رفيع المستوى في صحيفة 'الأهرام'، التصريح (المزيف، من المهم أن نقول) لرئيس 'أمان' الذي ترك عمله "عاموس يادلين" أن "مصر هي ميدان لعبنا الدائم". أو الكتاب الجديد عن ظروف اغتيال العميل المختلف فيه اشرف مروان، الذي يقود القارئ الى استنتاج ان 'المَلَك' اغتيل على أيدٍ مصرية. لن يردوا عندنا حتى لو كان ها هنا طرف خيط. يتابعون ويحرقون الأنياب. ماذا يقولون؟
في نظر الاسرائيليين 'قضية الشبكة'، التي أفضت الى شنق عميل سوري قديم عمل في زعمهم من أجل الموساد، تتجاوز حدود الخيال. بعد قليل ستبدأ المحاكمة مع غياب الأبطال الرؤساء، وربما أصبحوا يُعدون فيلم سينما أو مسلسل تلفاز من ثلاثين حلقة للمشاهدة في شهر رمضان.
كنت أريد لو كنت ذبابة في مكتب وزير المخابرات المصري أن أوثق دوران الأعين بين السيدين المهذبين. يجوز تخمين انهم في ديوان رئيس الحكومة في القدس قد جمعوا من اجل أراد جميع تفصيلات قضايا الماضي وانه قرأ النبأ المنشور الضخم أمس في صحيفة 'الأهرام'.
ماذا بعد؟ يبدو إنهم يتابعون وكأنه لم تحدث أمور قط. فأمس هبط القاهرة 500 اسرائيلي للتسطح السنوي على قبر أبو حصيرة في دمنهور. وبرغم موجة الأنباء المنشورة، لم يلغ مبارك لقاءه مع نتنياهو في الشرم الذي حُدد الاسبوع القادم. بقي لمبعوثه "أراد" أن يستوضح أين وخزنا من وخزناه في القيادة العليا.
تنبعث من هذه القضايا رائحة سيئة لأمر جلل حدث بمرة واحدة. لماذا يحدث هذا الآن خاصة لا قبل شهرين؟ من فتح عندنا أدراجا ممنوعة في مكان مؤلم، الى أن قرر فلان انه ضاق ذرعا بالموساد وان اسرائيل عالقة مثل عظم في الحنجرة؟ يجب البحث عن الدافع المصري تحت أضواء اخرى.