قال الله تعالىيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ)(كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)(الصف:2-3)الشرح
(
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) خاطبهم بالإيمان ؛ لأن مقتضى الإيمان ألا يفعل الإنسان هذا، وألا يقول ما لا يفعل، ثم وبخهم بقوله: (
لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ) ثم بيّن أن هذا الفعل مكروه عند الله ، مبغضٌ عنده أشد البعض، فقال: (
كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) والمقت: قال العلماء: هو أشد البغض، فالله تعالى يبغض الرجل الذي هذه حاله؛ يقول ما لا يفعل ، ويبين الله عزّ وجلّ لعباده أن ذلك مما يبغضه من أجل أن يبتعدوا عنه؛ لأن المؤمن حقاً يبتعد عما نهى الله عنه.
وقال عن شعيب: (
وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْه)(هود:88) ، يعني انه يقول لقومه : لا يمكن أن أنهاكم عن الشرط، وأنهاكم عن نقص المكيال والميزان وأنا أفعله، لا يمكن أبداً؛ لأن الرسل عليهم السلام هم أنصح الخلق للخلق ، وهم أشد الناس تعظيماً لله، وامتثالاً لأمره واجتناباً لنهيه، فلا يمكن أن يخالفهم إلى ما ينهاهم عنه فيفعله.
وفي هذا دليلٌ على أن الإنسان الذي يفعل ما ينهى عنه، أو يترك ما أمر به مخالف لطريقة الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ لأنهم لا يمكن أن يخالفوا الناس إلى ما ينهونهم عنه. وستأتي الأحاديث إن شاء الله في بيان عقوبة من ترك ما أمر به، أو فعل ما نهى عنه، والله الموفق.
* * *
198- وعن أبي زيد أسامة بن زيد بن حارثة- رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "
يؤتى بالرجل يوم القيامة فليقي في النار ، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدورُ الحمارُ في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان مالك ؟ ألم تك تأمرُ بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى كنت أمرُ بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه" متفق عليه .(1)قولهُ" تندلقُ" هو بالدلٍ المهملة ، ومعناه تخرجُ و " الأقتابُ " : الأمعاءُ، واحدُها قتب.
الشرح
هذا الحديث فيه التحذير الشديد من الرجل الذي يأمر بالمعروف ولا يأتيه ، وينهى عن المنكر ويأتيه، والعياذ بالله .
يقول: " يؤتى بالرجل يوم القيامة" أي تأتي به الملائكة ، فيلقى في النار إلقاء ، لا يدخلها برفق، ولكنه يلقى فيها كما يلقى الحجر في اليمّ، وتندلق أقتاب بطنه، يعني أمعاءه، الأقتاب : جمع قتب وهو المعني، ومعنى تندلق : تخرج من بطنه من شدة الإلقاء- والعياذ بالله .
" فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا" وهذا التشبيه للتقبيح، شبهه بالحمار الذي يدور على الرحا، وصفة ذلك: أنه في المطاحن القديمة قبل أن توجد هذه المعدات الجديدة ، كان يُجعل حجران كبيران وينقشان فيما بينهما أي ينقران، ويوضع للأعلى منها فتحة تدخل منها الحبوب ، وفيها خشبة تربط بمتن الحمار، ثم يستدير على الرحا، وفي استدارته تطحنُ الرحا.
فهذا الرجل الذي يلقى في النار يدور على أمعائه- والعياذ بالله - كما يدور الحمار على رجاه، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون له : ما لك؟ أي شيء جاء بك إلى هنا ، وأنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول مقراً على نفسه:" كنت آمر بالمعروف ولا آتيه" يقول للناس " صلوا ولا يصلي. ويقول لهم : زكوا أموالكم ولا يزكى. ويقول : بروا الوالدين ، ولا يبر والديه، وهكذا يأمر بالمعروف ولكنه لا يأتيه.
" وأنهى عن المنكر وآتيه" يقول للناس: لا تغتابوا الناس ، لا تأكلوا الربا، لا تغشوا في البيع، لا تسيئوا العشرة، لا تسيئوا الجيرة، وما أشبه ذلك من الأشياء المحرمة التي ينهى عنها ، ولكنه يأتيها والعياذ بالله ، يبيع بالربا، ويغش، ويسيء العشرة، ويسئ إلى الجيران وغير هذا، فهو بذلك يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه - نسأل الله العافية- فيعذب هذا العذاب ويخزى هذا الخزي.
فالواجب على المرء أن يبدأ بنفسه فيأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر؛ لأن أعظم الناس حقاً عليك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسك.
ابــدأ بنفسٍــك فــانههــا عن غيهـــا
فــإذا انتهــت عنــه فأنت حكيـــمابدأ بها ثم حاول نصح إخوانك ، وأمرهم بالمعروف ، وانههم عن المنكر ، لتكون صالحاً مصلحاً.
نسأل الله أن يجعلني وإياكم من الصالحين المصلحين، إنه جواد كريم.