البشرى الحادية والعشرون بشرى فضل ترك حبِّ الشهرة
وهذه البشرى يا إخوانى من البشريات التى نحتاج لها بشدة هذه الأيام لماذا؟ لأن كل واحد يعمل صالحاً أو طيباً فى نفسه أو لغيره تقوم عليه نفسه وتأخذ تزين له الأسباب والأعذار ليعلم الناس بما خفى من حاله أو بما قام به نحو أحبابه أو مجتمعه وخلانه والأعذار كثيرة والمجتمع يحتاج للكثير من العمل وهذه الخصلة السيئة تفتح على الأمة والأفراد أبواباً من الشرور لا عدَّ لها ولا حصر لأنها تفتح باب الأنانية وحب مصلحة النفس وحب مدح الناس وإنشغال أهل قضاء المصالح بحبِّ ذكر الناس لهم وتقديمهم ثم انتفاعهم فى مقابل قضاء مصالحهم هذه الخصلة الذميمة تفتح باب الرشوة والنفاق والمجاملات الكاذبة والفارغة ولذلك بشَّر الحبيب المصطفى كلَّ من يعمل مراقباً مولاه لا يبغى سوى رضاه ومصلحة أهله وإخوانه ومجتمعه بشرهم بحب الله وما أعلاه فقال{إِنَّ اللّهِ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ}[1]ألا يكفى أحدكم أن يحبَّه الله فيطلب حب الشهرة والذكر بين الناس ألا يكفى أحدكم بشرى الذكر فى الملأ الأعلى على لسان مولاه فينادى الله جبريل أنه يحب فلاناً ويأمره بحبِّه فينادى جبريل ويأمر أهل السماء بحبه ثم يوضع له القبول فى الأرض بسرِّ الله وقدرته فيحبه أهل الأرض لماذا؟ لأنه طلب حبِّ الله وذكر مولاه أما من أحبَّ أن يذكر الناس أعماله أو يتحدثون بخصاله وفعاله أو تقواه وأحواله فهو على خطر عظيم إسمعوا إلى الحبيب يحذِّر من ذلك بشدة ويقول{إنَّ الاْتِّقَاءَ عَلَى الْعَمَلِ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَلِ وَإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الْعَمَلَ فَيُكْتَبُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِي السِّرِّ يُضَعّفُ أَجْرُهُ سَبْعِينَ ضِعْفاً فَلاَ يَزَالُ بِهِ الشَّيْطَانُ حَتَّى يَذْكُرَهُ لِلنَّاسِ وَيُعْلِنَهُ فَيُكْتَبَ عَلاَنِيَةً وَيُمْحَى تَضْعِيفُ أَجْرِهِ كُلِّهِ ثُمَّ لاَ يَزَالُ بِهِ الشَّيْطَانُ حَتَّى يَذْكُرَهُ لِلنَّاسِ الثَّانِيَةَ، وَيُحِبُّ أَنْ يُذْكَرَ بِهِ، وَيُحْمَدَ عَلَيْهِ فَيُمْحَى مِنَ الْعَلاَنِيَةِ، وَيُكْتَبَ رِيَاءً، فَاتَّقَى اللَّهَ امْرُؤٌ صَانَ دِينَهُ وَإنَّ الرِّيَاءَ شِرْكٌ}[2] وأخطر من إعلان العمل وكشفه أن يعمل الواحد العمل فى منفعة نفسه أو أهله أو مجتمعه بغرض أن يتحدث الناس عنه بذلك فهذا أشدُّ و أنكى لماذا؟ لأنه يعمل رياءاً وهذا ما حذَّر منه الحبيب لأنه عمل سراً فأخذ أجراً مضاعفاً ثم أعلنه فخسر مضاعفة الأجر وصار علانية ثم استحب مدح الناس فتكلم وذكر ما عمل ليمدحوه فصار والعياذ بالله رياءاً وسمعة وشهرة أويس القرنى كم مجلساً حضرها مع النبى؟لم يحضر معه أى مجلس إذاً كيف أوصى النبى الصحابة أن يذهبوا إليه ويطلبوا منه أن يستغفر لهم؟وظلا عمر وعلى يبحثان عنه فى كل عام فى الحج إلى أن التقياه بعد جهد جهيد لأنه غير معروف فى قومه فطلبا منه أن يستغفر لهما وهما المبشَّران بالجنة لكن سيدنا رسول الله يعلِّمنا أقدار الرجال من الأتقياء الأخفياء المخلصين الذين لا يهمهم معرفة الناس بهم وإنما كل نظرهم إلى مولاهم وكل محل إهتمامهم أن يقوموا لله مخلصين صادقين بما أوجبه الله عليهم نحو أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم ولذا قال{إِنَّ أَغْبَطَ أَوْلِيَائِي عِنْدِي لَمُؤْمِنٌ خَفِيفُ الْحَاذِ ذُو حَظٍ مِنَ الصَّلاَةِ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَأَطَاعَهُ فِي السِّرِّ وَكَانَ غَامِضاً فِي النَّاسِ لا يُشَارُ إِلَيْهِ بالاصَابِعِ وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافاً فَصَبرَ عَلَى ذَلِكَ ثم نَقَرَ بإصْبَعَيْهِ فَقَالَ: عُجِّلْتْ مَنِيَّتُهُ قَلَّتْ بَوَاكِيهِ قَلَّ تُرَاثُهُ}[3] ويضيف الصالحون لذلك من آداب السلوك كلَّ من رأى نفسه أولى من أخيه بفضيلة أو مزية فيجب عليه التوبة وسد منفذ الغرور والاعتذار لإخوانه قولاً وفعلاً فيرى نفسه أنه ليس أهلاً لمكانته وينزل إلى خدمتهم أو يترك التكلم عليهم والتقدم عليهم حتى يقيمه إخوانه برضاء منهم وصفاء بعد أن يترك بيقين حبًّ الشهرة بين إخوانه المؤمنين ولذا قالوا{الخمولُ نِعْمَةٌ والكلُّ يأباها والشهرةُ نِقْمَةٌ والكلُّ يتمنَّاها} ولأبى الحسن الاحنف العكبري:
من أراد العزَّ والراحة من هم طويل فليكن فردا من الناس ويرضى بالقليل
ويرى أن قليلا نافعا غير قليل ويرى بالحزم أن الحزم في ترك الفضول
ويداوى مرض الوحدة بالصبر الجميل لا يمارى أحدا ما عاش في قال وقيل
يلزم الصمت فإن الصمت تهذيب العقول يذر الكبر لاهليه ويرضى بالخمول
أي عيش لإمرى يصبح في حال ذليل بين قصد من عدو ومداراة جهول
واعتلال من صديق وتجنٍّ من ملول واحتراس من عدو السوء أو عذل عذول
ومماشاة بغيض ومقاساة ثقيل إن من معرفة الناس على كل سبيل
وتمام الامر لايعرف سمحا من بخيل فإذا أكمل هذا كان في ظلٍّ ظليل