السلام عليكم
نستكمل سوية رحلة البحث عن الحقيقة وفي تلك المقال نتطرق إلى شيء كان يشغل تفكيري منذ الصغر وبالأخص عندما قرأت عن رسول الله موسى عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام وكيف أنه كان عصبي المزاج غيور على دين الله حاد الطباع جاد في أفعاله وأقواله لا تأخذه في دين الله لؤمة لائم... وكانت مرحلة طفولته هي السبب في جعله على هذه الحال من العصبية الزائدة لما لقاه من فرعون وملئه..
ولكن في هذا المقال نحن نطرح سؤال لطالما حير العقول والأذهان وكلنا نعرف عن سيدنا موسى غيرته على دين الله عز وجل
نبدأ في القصة حينما ذهب سيدنا موسى للقاء ربه حيث جاء في القرآن الكريم قول الله عز وجل من سورة البقرة
(وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) وكان الله تعالى قد واعد موسى لكلامه ثلاثين ليلة ثم أتمها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وكلمه الله عز وجل بعد ذلك وخاطبه بما أراد.
وأثناء غيابه هذه المدة ابتلي قومه باتخاذ العجل إلهاً ولهذا قال:
(وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ)، فصنعوا من حُلي آل فرعون تمثالاً على شكل العجل وقال السامري لبني إسرائيل (هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى) فأضلهم بعد أن نصحهم هارون عليه الصلاة والسلام ولكنهم (قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى).
عندما أتم موسى موعد ربه وأنزل الله عليه الألواح قال له يا موسى إن قومك قد ضلوا واتبعو أمر السامري وصنع لهم عجلاً وعبدوه، فرجع سيدنا موسى إلى قومه ليرى ما صنعوا ولماذا اتبعو أمر السامري. وهذا السامري هو في الحقيقة ابن خالة سيدنا موسى عليه السلام، وله قصة عجيبة في مولده وحياته وكيف أنه قد رباه جبريل عليه السلام.. وسوف نأتي على ذكر ذلك في المقال القادم بإذن الله لكي نوصل الأحداث بعضها بالبعض الآخر.
الأمر الذي حيرني كثيراً هو طريقة تصرف سيدنا موسى بعد رجعوه غضاب أسفاً على ما حدث، فعندما رجع خاطب قومه وقال:
بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ، قَالَ ابن أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ.
ثم أقبل موسى على قومه فعنفهم ووبخهم وهجنهم في صنيعهم هذا القبيح فاعتذروا إليه، بما ليس بصحيح، قالوا إنا {حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ}. تحرجوا من تملك حلي آل فرعون وهم أهل حرب، وقد أمرهم الله بأخذه وأباحه لهم، ولم يتحرجوا بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم من عبادة العجل الجسد الذي له خوار، مع الواحد الأحد الفرد الصمد القهار!.
ثم أقبل على أخيه هارون عليه السلام قائلاً له {يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِي}. أي هلا لما رأيت ما صنعوا اتبعتني فأعلمتني بما فعلوا، فقال: {إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسرائِيلَ}. أي تركتهم وجئتني وأنت قد استخلفتني فيهم.
{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}. وقد كان هارون عليه السلام نهاهم عن هذا الصنيع الفظيع أشد النهي، وزجرهم عنه أتم الزجر.
جاء في القرآن من القصص القرآني ما يروي تلك القصة ولكن ليس المقال هنا عن شرح قصة ما فعله بني إسرائيل إنما المقصد هنا عن موقف سيدنا موسى مع هذا السامري الذي صنع العجل من ذهب بني إسرائيل الذي كان قد سرقوه من آل فرعون قبل خروجهم من مصر وكيف أنه كان قريب منهم واستطاع أن يضلهم بعد أن ذهب نبي الله موسى للقاء ربه..
كل ذلك الغضب من سيدنا موسى ونهره لقومه وجره لأخيه من لحيته أمام الجميع وغضبه مما فعلوه كان يمكن للقارئ أن يتخيل وبكل بساطة
نهاية هذا السامري بعد ما فعله من إضلال لقوم سيدنا موسى وسيكون القتل هو أقل ما يفعل به ولكن المفاجأة هو ما قاله سيدنا موسى عليه السلام له..
{قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ}
بعد كل هذا الغضب من سيدنا موسى على قومه وأخيه وألقائه للألواح وجر أخيه من لحيته إذا به يسأل المتسبب في كل ذلك بمقالة بسيطة يظهر منها اللين وكأنه يريد أن يستفسر عن أمر بسيط..
وإذا بهذا السامري الضال المضل يرد على نبي الله بكل برود وبكل لا مبالاة
{قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} أنظروا معي إلى سؤال سيدنا موسى وكيف يظهر منه اللين أو عدم إظهار الغضب وأنظروا كيف رد السامري عليه وهو لا يبالي بما فعل.
هناك أمر محير ومن هذا الرجل الذي يخاطب نبي الله موسى بهذه الطريقة ولماذا لم يستطيع سيدنا موسى أن يقتل هذا الرجل جزاء لما صنع ؟ !!
سؤال محير يمكننا أن نعرفه حينما نتعرض لقصة هذا الرجل ومن يكون وكيف كانت نشأته وقرابته لسيدنا موسى عليهم السلام .