النقطة الثانية المذكورة في هذه الاية القرانية وهي مشكلة (الكفر بايات الله)
(ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله)العامل الثاني من عوامل الانحطاط والفشل عند بني اسرائيل كان الكفر بآيات الله.
فمن الوهلة الاولى قد يفهم الكفرعلى انه (
الجحود)، لكن في هذه الاية لا يعني الكفر ذلك. لأن الآية تتحدث عن مرحلة ما بعد (الايمان بالرسالة) و (الايمان بالرسول) عند بني اسرائيل، أي بعد هجرتهم وبعد هلاك فرعون ..
فما هو معنى الكفر؟ ولماذا كان الكفر بـ(
ايات الله) وليس الكفر بـ(
الله).
اولاً نتساءل ما هو المراد من (ايات الله)؟هنا قد يورد عدة احتمالات: قد يقال ان
المراد من ايات الله هي المعاجز التي جاء بها الانبياء، وقد يقال ان المراد
هم الانبياء انفسهم وامتداد خطهم من العلماء الربانيين، وقد يقال ان
المراد منها هي الايات الالهية التي نزلت على النبي موسى متمثلة بالتوراة.
لكن الصحيح هو ما يمكن الاستفادة منه هو
معنى كلمة (اية)، فهي تعني العلامة ، فكل ما يدل على الله سبحانه وتعالى
وعلى صفاته يكون اية من اياته المباركات سواء كان خلقاً في الطبيعة ام
معجزة من المعاجز ام نبي من الانبياء ام اية من ايات كتابه المبارك.
يقول سماحة المرجع الديني اية الله العظمى
السيد محمد تقي المدرسي في معنى ايات الله: ” ايات الله على ثلاثة اقسام:
اولاً: الدلائل والشواهد والحجج من السماوات والارض.
ثانياً: الايات القرانية هي ايات الله
ايضاً، والكفر بها يكون عبر تأويلها تأويلا خاطئا ومحاولة الفرار منها ومن
الحقائق التي تطرح فيها.
ثالثا: النبي واهل بيته عليهم السلام،
فالإنسان اذا كذب بهؤلاء ولم يؤمن بهم كان مصداقا لتكذيب الايات، فبلعم
باعوراء والزبير بن العوام وقابيل و.. ابتلوا بهذا الأمر. ومما يدل على ان
الانبياء والائمة عليهم السلام جميعا هم ايات الله وعدم الايمان بهم
ونصرتهم بمثابة تكذيبهم، استشهاد الامام زين العابدين عليه السلام في خطبته
في الشام بهذه الاية
(ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون) فأبوعبد الله الحسين عليه السلام كان اية من ايات الله واولئك القوم شملتهم هذه الاية بعدم نصرتهم له – بل وقتلهم اياه-.”
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
هنا نتساءل مرة اخرى : ما هو معنى (
الكفر بايات الله)؟
ربما الكفر هنا يعني عدم التمسك. لتوضيح
المعنى اقول ان الهدف من وراء ايات الله ( لمراد هنا الايات القرانية و
الانبياء والرسل) الهدف منها هو الاتباع التام والتسليم المطلق لها والعمل
وفقها. فإذا خالف الشخص هذا الحكم او تلك الحكمة قولاً او فعلاً يكون قد
كفر باية من ايات الله.
فاذا انزل الله سبحانه وتعالى حكماً في كتاب، ثم حكم الإنسان بغيره يكون في الواقع قد كفر بذلك الحكم، حيث يقول ربنا
(و من لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون) فما هي الفائدة من حكم او اية لا يطبقها الانسان؟
فبنو اسرائيل ابتلوا بهذا المرض وهو مخالفة الاوامر الالهية و جحود الايات.
كذلك نحن المسلمين مصابون بهذا الداء. فنحن نمتلك كتاباً جامعاً لكل خير
(لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه) واحكاماً
واحاديث تخص كل جوامع الحياة، فلا من حادثة الا ولها في الاسلام حديث وما
مسألة الا وللاسلام فيها حكم. فعن الامام الباقر عليه السلام انه قال:
خطب
رسول الله ص في حجة الوداع فقال ايها الناس والله ما من شيء يقربكم من
الجنة ويباعدكم من النار الا وقد امرتكم به وما من شيء يقربكم من النار
ويباعدكم من الجنة الا و قد نهيتكم عنه)ففي
هذه الرواية دليل واضح على ان الاحكام الالهية احكام شاملة ليس فيها نقص
او اشتباه. كذلك ورد عن الامام الصادق عليه السلام انه قال
(ما من شيء الا وفيه كتاب او سنة)لكن ضربنا كل ذلك عرض الحائط وتشبثنا
بقوانين واحكام وأفكار غربية وشرقية ما انزل الله بها من سلطان، فجامعاتنا
تدرس اقوال “دارسي” و “سينكر” و”هوك” و “لوك” و “هيجل” و … قبل دراستها
المعمقة للقران واحاديث العترة الطاهرة. أما فقهاءنا القانونيون فيشرعون
قوانين جائرة
(بغير ما انزل الله) حتى ان الكثير من الاحكام القضائية في البلدان الاسلامية مخالفة صريحة
للفقه الاسلامي. أما كتابنا وباحثونا فينظرون الى القران وهو كلام الله على
انه كتاب للبركة فحسب وهكذا. فبذلك نكون قد كفرنا بايات الله المتمثلة في
كلام الله واقوال النبي واهل ابيته.
وقد نهانا الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات قائلاً
(يا ايها الذين ءامنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون)، فخطيئة تغليب حكم بشري على حكم الله وحكم النبي (و هو هنا تطبيق رفع الصوت
فوق صوت النبي) تكون مساوية لحبط الأعمال مما يدل على عظمتها عند الله.
من هنا اذا اردنا ان نفر من تبعات التخلف
لابد ان نتسمك بالايات القرانية المتمثلة بالشرائع والاحكام الالهية من جهة
و نتبع تعاليم القيادة الدينية الصحيحة ( وسوف نتحدث عن هذا الموضوع انشاء
الله في النقطة الرابعة من هذا البحث) حتى نتجاوز امواج الفتن ونرسوا على
بر الامان.